قدير أوستون هو منسق مركز الأبحاث سيتا في واشنطن. أكمل دراسته الجامعية في قسم التاريخ بجامعة إسطنبول، ونال درجة الماجستير في جامعة بيلكنت، والدكتوراه في جامعة كولومبيا. قام أوستون بإلقاء محاضرات في جامعتي كولومبيا وجورج ميسون حول تاريخ الشرق الأوسط والتاريخ الإسلامي وتاريخ الحضارة الغربية والعولمة.
أدّى إعلان ترامب في الثاني من أبريل، الذي سمّاه "يوم الخلاص"، عن فرض نسب جديدة للرسوم الجمركية، إلى دفع التجارة العالمية نحو إعادة التشكل على أسس الحماية الاقتصادية. ورغم أن ترامب أعلن رده بالمثل على الدول التي تفرض رسومًا جمركية على المنتجات الأمريكية، إلا أنه أعلن عن تطبيق حد أدنى بنسبة 10% على جميع السلع المستوردة إلى الولايات المتحدة.
وبدلاً من استهداف الدول التي تعاني الولايات المتحدة معها من عجز تجاري أو الاقتصار على بعض القطاعات، اتخذ ترامب خطوة شاملة، مستثنيًا فقط السلع التي لا تُنتج داخل أمريكا. وفي حال تطبيق الرسوم العالية، خاصة على الدول التي تعاني الولايات المتحدة معها من عجز تجاري، وردّ هذه الدول بالمثل، فإن ارتفاع التكاليف على الجميع سيكون أمرًا لا مفر منه.
ندخل اليوم في مرحلة جديدة ستشهد تغيّر نظام التجارة الحرة الدولية نتيجة السياسات الحمائية، مما سيقلل من دور الاقتصاد الأمريكي في الاقتصاد العالمي، بينما ستزداد حركة التبادل التجاري بين الدول الأخرى.
ستكون التجارة مع الصين ودول الاتحاد الأوروبي الأكثر تأثرًا بالرسوم التي أعلنها ترامب. وتشكل التجارة مع الصين نحو 13% من مجمل التجارة الخارجية الأمريكية، وقد حددت إدارة ترامب الرسوم الجمركية المفروضة على السلع الصينية بنسبة 54%. أما التجارة مع أوروبا، التي تمثل 18% من التجارة الخارجية الأمريكية، فستُفرض عليها رسوم بنسبة 20%.
ورغم أن الإدارة أكدت أن هذه النسب تمثل نصف ما تفرضه تلك الدول من رسوم على السلع الأمريكية، إلا أن هناك غموضًا حول كيفية احتساب هذه النسب بالضبط. وتشير المعلومات إلى أن النسب لم تُحتسب فقط على أساس مبدأ المعاملة بالمثل في الرسوم الجمركية، بل أُخذت في الحسبان أيضًا العوائق الأخرى التي تواجه الصادرات الأمريكية، مثل الحواجز التجارية، وضريبة القيمة المضافة، والتلاعب بأسعار صرف العملات.
كما تظهر بعض التحليلات أن نسب الرسوم حُسبت عبر قسمة العجز التجاري على أرقام الواردات للوصول إلى هذه المعدلات.
وبما أن الرسوم الجديدة ستُطبق بحد أدنى 10% على جميع الدول، فإن جميع الدول التي تتاجر مع الولايات المتحدة، وليس فقط الدول ذات العجز التجاري، ستكون خاضعة لهذه الرسوم الإضافية.
ورغم أن الإدارة تدعي أنها احتسبت النسب بناءً على الرسوم الجمركية التي تطبقها الدول الأخرى وعلى أساس مبدأ المعاملة بالمثل، إلا أن هذه الرواية لا تبدو واقعية. وعند تذكر خطابات ترامب التي اعتبرت العجز التجاري بحد ذاته أمرًا سلبيًا، يتضح أن عدم انتقائية تطبيق الرسوم الجمركية يرتبط بهذه النظرة.
بمعنى آخر، يتحرك ترامب من منطلق أنه يجب على الولايات المتحدة أن تحقق فائضًا تجاريًا مع جميع الدول التي تتعامل معها تجاريًا.
وهذا بدوره يستند إلى فرضية أن بإمكان أمريكا أن تنتج بنفسها كل ما تحتاجه، وهو بطبيعة الحال أمر مستحيل.
قد تجعل الرسوم الجمركية الجديدة الإنتاج داخل الولايات المتحدة أكثر جاذبية نسبيًا، إلا أن حماية الشركات الأمريكية ستؤدي إلى تقليل المنافسة في السوق المحلي. ونتيجة لذلك، ستنشأ احتكارات جديدة، وستتراجع الحاجة لدى هذه الاحتكارات إلى المنافسة.
إن تراجع المنافسة والابتكار، وهما من أهم العناصر التي جعلت الاقتصاد الأمريكي قويًا، بالإضافة إلى نشوء حواجز تجارية جديدة، سيؤدي إلى تراجع حصة الولايات المتحدة في التجارة العالمية.
كما أن قيام الدول الأخرى بفرض رسوم جمركية على المنتجات الرقمية الأمريكية، والخدمات الاستشارية، وقطاع السياحة، سيُسرّع من هذا التراجع.
صحيح أن المنتجات الأمريكية لا تزال مرغوبة حول العالم، إلا أن الدول الأخرى أصبحت أكثر قدرة اليوم على إنتاج بدائل لهذه المنتجات، بل وأحيانًا منتجات أفضل منها. لذا، في حال تطبيق الرسوم الجمركية الجديدة كما تم الإعلان عنها، قد نجد أن الولايات المتحدة تُلحق ضررًا كبيرًا بقوتها التجارية الإجمالية.
وبدلاً من التركيز فقط على فرض رسوم جمركية في مجالات التكنولوجيا المتقدمة واستهداف الصين، قامت الولايات المتحدة باستهداف جميع الدول، مما يدل على أن واشنطن لم تعد تميز بين الدول الحليفة والدول الخصمة في تعاملاتها التجارية.
كان يمكن إعادة التفاوض حول التجارة مع دول مثل كندا، والمكسيك، واليابان، وكوريا الجنوبية، والهند، والدول الأوروبية لصالح الولايات المتحدة، لكن التحرك الأحادي الجانب سيُوجّه ضربة للعلاقات مع الجيران والحلفاء.
وفي الوقت الذي تحتاج فيه واشنطن إلى التحرك مع حلفائها لمواجهة المنافسة مع الصين، فإنها، كما تُظهر التقاربات التجارية بين الصين واليابان وكوريا، تعاقب حلفاءها التقليديين، وستضطر إلى تحمل تبعات ذلك.
اتخاذ الولايات المتحدة، وهي واحدة من الدول القليلة القادرة على دخول جميع الأسواق العالمية، خطوات تحدّ من هذه الميزة، سيعني أيضًا أنها لم تعد تؤمن باقتصاد السوق الحرة الليبرالية.
لقد كان ترامب نتاجًا للمشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي خلقتها عملية العولمة خلال السنوات الخمس والعشرين أو الثلاثين الماضية.
ومن أجل سد العجز التجاري للولايات المتحدة وحماية المنتجين الأمريكيين، أقدم ترامب على خطوة شديدة الجذرية. وإذا أصبحت هذه السياسات دائمة، فإن قوة الاحتكار لدى بعض الشركات الأمريكية قد تتزايد، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار. ومع تراجع الابتكار والمنافسة، ستنخفض أيضًا رغبة الدول الأخرى في شراء المنتجات الأمريكية.
سيُضعف هذا النهج الروابط التجارية القوية مع الحلفاء، وسيدفع الدول الأخرى إلى التقارب أكثر مع الصين والدول الآسيوية، مما سيؤثر سلبًا أيضًا على السياسة الخارجية الأمريكية. وإذا تحققت هذه السيناريوهات، فقد نشهد تحول الولايات المتحدة من قوة عالمية إلى مجرد دولة قومية عادية.
وربما يكون هذا بالضبط ما يريده ترامب، إذ تعكس تصريحاته المصاحبة لإعلان الرسوم الجمركية فكرته القائلة: "على كل دولة أن تعتمد على نفسها".
مرحبًا، تشكل التعليقات التي تشاركها على موقعنا مصدرًا قيمًا للمستخدمين الآخرين. يرجى احترام المستخدمين الآخرين والآراء المختلفة. تجنب استخدام لغة نابية أو مسيئة أو مهينة أو عنصرية.
كن أول من يترك تعليقًا.
انقر هنا لتلقي أهم الأخبار في اليوم عبر البريد الإلكتروني. اشترك هنا.
بعد إنشاء العضوية تكون قد وافقت على تلقي الإشعارات من مواقع مجموعة ألبيرق الإعلامية وعلى شروط الاستخدام وسياسة الخصوصية
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة