تخرج من جامعة مرمرة للاقتصاد والعلوم الإدارية قسم "الإدارة العامة والعلوم السياسية". يعمل كصحفي منذ أكثر من 15 عامًا. كتب العديد من التقارير والمقالات البحثية والتاريخية في صحيفة يني شفق منذ عام 1997. حصل على جائزة "قسم التقرير" من نقابة الصحفيين بتركيا 2004، وذلك في إطار جوائز الإنجاز الصحفي التركي. له أربعة كتب في مجال السيرة الذاتية. شغل مناصب مختلفة في منظمات غير حكومية.
"إسرائيل تُشعل حربًا عالمية من خلال هجومها على إيران".. قد يظن البعض أن هذا القول فيه شيء من التهويل أو السوداوية. غير أن المشاعر والحدس، في كثير من الأحيان، تُجسّد الواقع الذي نُساق إليه. وكما كان الحال قبيل اندلاع الحربين العالميتين، فإن الحماقة لا تزحف بصمت، بل تمضي إلى الأمام على وقع الطبول وأصوات الأبواق.
المؤرخة الأميركية باربرا توكمان أطلقت على كتابها الشهير في أوائل ثمانينيات القرن الماضي عنوان: "مسيرة الحماقة: من طروادة إلى فيتنام"، بينما اختار الألمان ترجمته تحت عنوان: "غباء من يحكمون". في هذا الكتاب، تناولت توكمان نماذج لحروب كارثية نشبت نتيجة تجاهل صانعي القرار للوقائع الواضحة أمامهم، وتعمّدهم عدم الإصغاء إلى التحذيرات. وقد أشارت إلى أن "مسيرة الحماقة" تسير دائمًا في وضح النهار، بينما المسؤولون يتجاهلون نُذُر الكارثة.
أما الجنرال الأثيني ثوسيديديس، فقد توقّع قبل نحو 2500 عام أن المستقبل يشبه الماضي، وتمنّى أن يكون كتابه حول "حروب البيلوبونيز"، التي أدت إلى انهيار الحضارة اليونانية القديمة، مرجعًا خالدًا عبر العصور. اعتقد أن ما ورد فيه من تحليل لقرارات البشر ومشاعرهم وتصرفاتهم التي تؤدي إلى الحروب، سيكون دليلاً للأجيال المقبلة لفهم سياقات الانحدار نحو الكوارث.
لقد كانت حروب البيلوبونيز — التي دامت 27 عامًا، وشاركت فيها مئات دويلات المدن، وشهدت تبدّل التحالفات وتغيّر مواقع الأعداء والأصدقاء — أشبه بـ"نسخة مصغّرة" لحرب عالمية سبقت زماننا. ومن أهم الدروس المستخلصة منها أن الحسابات الخاطئة قد تقود الأمم إلى مصائر كارثية لا عودة منها.
ومن أبرز الأمثلة في تلك الحروب، الحملة التي شنّتها أثينا على جزيرة صقلية الغنية بالمدن، حيث كان الأثينيون يخططون لنهب ثرواتها لتمويل حروبهم ضد خصومهم. لكن الغرور أعماهم، فانقلبت الحملة إلى كارثة، وأقر المؤرخون بأنها غيّرت مسار الحرب لصالح سبارتا. وفي تلك الحملة، تلقّت سبارتا دعمًا من الإمبراطورية الفارسية، خصمها القديم. ويُشبّه المؤرخون المعاصرون حملة صقلية بـ"فيتنام أثينا".
وقد أضعفت هذه الحروب كلًا من أثينا وسبارتا وسائر المدن اليونانية، لتسقط في نهاية المطاف بقبضة المملكة المقدونية الصاعدة من الشمال، بقيادة والد الإسكندر الأكبر. وهكذا، طويت صفحة الصراع بين أثينا وسبارتا.
واليوم، يبدو أن الإمبراطورية الأميركية تسير في الطريق ذاته، بمساندتها لإسرائيل وتوفير الغطاء لها، لتدفع منطقتنا نحو هاوية جديدة. لا أحد يصدّق أن إسرائيل أقدمت على مهاجمة إيران دون تنسيق مع الولايات المتحدة. فالرئيس الأميركي دونالد ترامب وعد ناخبيه مرارًا بإنهاء "الحروب التي لا تنتهي". وعلى عكس ادعاءات المحافظين الجدد ودعاة الحرب المؤيدين لإسرائيل، فإن المواطن الأميركي العادي لا يريد لبلاده الانخراط في حروب نيابةً عن إسرائيل — وهذه حقيقة يدركها الجميع: ترامب، وإسرائيل، وحتى المحافظون الجدد أنفسهم.
إلا أن إسرائيل، التي تخشى فقدان الدعم الشعبي الأميركي، تسعى إلى فرض أمر واقع عبر الهجوم، لجرّ الولايات المتحدة إلى صراع شامل، وتحويل المنطقة إلى ساحة حريق شامل.
نحن نمرّ بمنعطف خطير تشهده خارطة القوى العالمية. وكما قال شكسبير: "نحن نندفع نحو زمنٍ خرج عن نطاقه". وهناك تحذيرات جديّة من أن الحروب التي بدأت بها إسرائيل قد تمتد لتشعل مناطق أخرى من العالم.
صرّح ترامب بعد انتخابه بأنه لن يشنّ حروبًا، بل سيضع حدًّا لها. لكن بدعمه نتنياهو، يفتح أبوابًا لحروب متعددة. والحقيقة أن ترامب يمتلك القدرة على كبح جماح إسرائيل، إن أراد ذلك. فإسرائيل تحتاج إلى الولايات المتحدة أكثر بكثير مما تحتاج واشنطن تل أبيب. والإسرائيليون أنفسهم يدركون جيدًا أنهم لا يستطيعون خوض أي حرب دون غطاء أميركي.
وقد قال السياسي الروماني المعروف كاتو الأكبر: "من يملك القدرة على منع الجريمة ولا يفعل، فإنه يشارك في ارتكابها." وترامب يتلقّى اليوم دعوات متزايدة من قاعدته الانتخابية تطالبه بعدم إدخال أميركا في حروب إسرائيل. وإذا كان لا يريد حروبًا جديدة فعلًا، فعليه أن يصغي لهذه التحذيرات، لا إلى همسات المحافظين الجدد.
لكنّ الحماقة التي تجاهلت دروس التاريخ، تتقدّم اليوم نحو منطقتنا بثبات، وكأنها تكرّر الكارثة من جديد.
مرحبًا، تشكل التعليقات التي تشاركها على موقعنا مصدرًا قيمًا للمستخدمين الآخرين. يرجى احترام المستخدمين الآخرين والآراء المختلفة. تجنب استخدام لغة نابية أو مسيئة أو مهينة أو عنصرية.
كن أول من يترك تعليقًا.
انقر هنا لتلقي أهم الأخبار في اليوم عبر البريد الإلكتروني. اشترك هنا.
بعد إنشاء العضوية تكون قد وافقت على تلقي الإشعارات من مواقع مجموعة ألبيرق الإعلامية وعلى شروط الاستخدام وسياسة الخصوصية
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة