قبل ظهور التلفاز والراديو والصحف والمجلات والإنترنت، وعندما كانت الكتب تصل إلى فئة محدودة فقط، كانت خطبة الجمعة هي المصدر الرئيسي للمعلومات والتوجيه. واليوم رغم كل وسائل الاتصال الحديثة، لا تزال خطبة الجمعة تحتفظ بأهميتها كأداة للاتصال والتوعية والتثقيف، بل إنها أكثر شمولية وفعالية من أي وسيلة إعلامية أخرى.
نحن نشكو من أن وسائل الإعلام الحديثة، وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي التي دخلت حياتنا مع الإنترنت، تفسد المجتمع والأجيال الشابة. ولكن هل نستفيد بشكل كافٍ من وسيلة الإعلام الأكثر تأثيرًا لدينا، وهي خطب الجمعة التي يستمع إليها ملايين الأشخاص كل أسبوع في المساجد؟
في الأسبوع الماضي، كانت خطبة الجمعة تدور حول آداب وأركان صلاة الجمعة، وتم فيها شرح فضائل صلاة الجمعة للمصلين الذين حضروا واستمعوا باهتمام. وفي الأسابيع السابقة، تناولت مواضيع مثل الرحمة، وحرمة النفس، والدفاع عن الوطن، والتذكير بالله والآخرة، والمسجد، والبيئة، والتقوى.
لقد أصبحت لغتنا الدينية مرهقة؛ أشعر شخصيًا بهذا الإرهاق، وأعتقد أن الملايين يشعرون به مثلي. فما إن يبدأ الإمام خطبة الجمعة ويتلو بضع جمل، حتى نجد أنفسنا ننفصل ذهنيًا عن الخطبة ونفقد تركيزنا، نظرًا لاعتياد آذاننا منذ سنوات طويلة على نفس الكلمات، ونفس العبارات، ونفس النبرة في تناول نفس الموضوعات.
إن كتابة خطبة الجمعة ليس بالأمر السهل. وقد كانت خطب الجمعة موضوعًا للنقاش على مر تاريخ الإسلام. فقد تدخل الخلفاء والسلاطين والأمراء والولاة في صياغة الخطبة لتُلقى بأسمائهم وتستخدم كأداة للدعاية السياسية لتعزيز سلطتهم. وفي الدولة العثمانية، كانت الخطب تُلقى باللغة العربية باعتبارها اللغة المشتركة في ذلك الوقت، ولكن منذ مطلع القرن التاسع عشر بدأت النقاشات حول تغيير اللغة إلى التركية، حيث كتب شخصيات مثل علي سوافي، ومعلم ناجي، ومجلة الصراط المستقيم مقالات تدعو إلى إلقاء الخطب باللغة التركية.
تم إجراء العديد من التعديلات على خطب الجمعة، فتمت ترجمتها جزئيًا أو كليًا إلى التركية. ومنذ السنوات الأولى للجمهورية، أُعدت "كتب الخطب" ووزعت على الأئمة، مع أوامر بعدم الخروج عن الموضوعات الواردة فيها. وكانت هذه الخطب تهدف إلى تهدئة الجماهير وتلقينهم الطاعة والولاء، والدعوة إلى التفاعل مع القضايا الوطنية بحساسية، مع الحرص على أن تكون بعيدة عن النقد أو إثارة الجدل. وتم استخدام كافة الوسائل لضمان أن تؤدي الخطب دورها في تهدئة الجماهير واستسلامهم التام.
في ظل أجواء الحرية التي نعيشها اليوم، بات بإمكاننا طرح تساؤلات حول خطب الجمعة، بما في ذلك موضوعاتها وأساليبها ولغتها. ولعلنا تأخرنا كثيرًا في كسر القيود التي تكبل هذه الخطب.
لا شك أن إعداد خطبة الجمعة ليس بالأمر اليسير حتى في يومنا هذا. فرغم اجتماع المصلين تحت سقف واحد، إلا أنهم يأتون بحساسيات وتوجهات مختلفة. وفي ظل هذا التداخل الكبير للسياسة مع الحياة اليومية، يصبح انتقاء كل كلمة في الخطبة مهمة تستدعي دقة بالغة. غير أنه لا ينبغي لهذه الحساسية المبررة أن تضيق من موضوعات الخطبة، أو تقيد لغتها وأسلوبها بما يحدّ من فعاليتها.
هناك العديد من الموضوعات التي يمكن طرحها على المصلين الذين يحضرون كل جمعة ويستمعون إلى الخطبة، والتي يمكنا أن تستحوذ على انتباههم من بداية الخطب وحتى نهايتها، وتثري معارفهم، وتحفز تفكيرهم، وتترك أثرًا يمتد لما بعد صلاة الجمعة، بل ويمكن نقلها إلى من لم يحضروا. وهناك العديد من الكلمات والجمل والأساليب التي يمكن توظيفها لتقديم هذه المواضيع بشكل فعال.
فمثلاً لماذا لا يتم شرح أن مخالفة قواعد المرور تعتبر "انتهاكاً لحقوق الآخرين"؟ ولماذا لا يتم تناول الفوضى وعدم الانضباط وقلة الأدب والانحلال الأخلاقي التي تعم منصات التواصل الاجتماعي؟ وبدلاً من الحديث عن قضايا بيئية عامة وواسعة، لماذا لا يتم التطرق بلغة مؤثرة وواضحة إلى موضوعات مثل القبح الذي تسببه بعض التصرفات كالبصق في الشوارع أو رمي القمامة؟ لماذا لا يتم تناول المواضيع التي تتكرر في الخطب مثل الرحمة والضمير والحلال والحرام والموت والآخرة بلغة جديدة وطرق مبتكرة، وباستخدام مفاهيم وأمثلة لافتة؟ لماذا لا يتم التطرق إلى القضايا الوطنية التي تجمعنا جميعًا، مع تجنب السياسة والمواضيع المثيرة للجدل؟
لماذا لا يشعر المصلون بالحماس للذهاب إلى المسجد، متسائلين عن الموضوع الذي سيتم طرحه في الخطبة، وما هي الفائدة التي سيستخلصونها منها والدروس التي سيخرجون بها؟ لماذا لا يهرعون إلى المسجد بدافع الفضول والمعرفة؟
نحن بحاجة إلى خطاب ديني جديد، وأسلوب جديد في إلقاء الخطب. فوزارة الشؤون الدينية تمتلك الكفاءة اللازمة لإعداد هذه الخطب، ولدى أئمتنا القدرة على إيصالها بأفضل شكل. وفي عصرنا الحالي، حيث تهدد وسائل الإعلام الحديثة الأمن القومي وتستهدف فيها القيم الدينية والأخلاقية للشعب والدولة والمجتمع، فإن إلقاء خطب لا يُستمع إليها، ولا يُنصت إليها، والتي تشعر الناس بالإرهاق من الخطاب الديني، يعد انتهاكا لحقوق الآخرين، وإضاعة للوقت، وإهدارا لفرصة كبيرة. وكل شخص يغادر المسجد دون أن يستفيد من الخطبة هو خسارة كبيرة.
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة