الأمم المتحدة.. هيكل عاجز وفيتو ناجز يخذلان سوريا طوال 14 عاما

10:3031/12/2024, الثلاثاء
الأناضول
الأمم المتحدة.. هيكل عاجز وفيتو ناجز يخذلان سوريا طوال 14 عاما
الأمم المتحدة.. هيكل عاجز وفيتو ناجز يخذلان سوريا طوال 14 عاما

- أظهرت الأزمة السورية مجددا القصور بمنظومة مجلس الأمن الخاضع لسيطرة 5 دول دائمة العضوية - هيكلية المجلس كانت على الدوام محطّ انتقاد الدول بسبب عجزه عن التعامل مع الأزمات بشكل فعال - شهد المجلس خلال الأزمة السورية تعطيلًا للعديد من مشاريع القرارات نتيجة لاستخدام الفيتو - الأزمة السورية كشفت محدودية النظام الأممي بإدارة الأزمات الكبرى، ما يتطلب إصلاحات جذرية


على امتداد 14 عاما أثبت مجلس الأمن الدولي متأثرا بهيكليته، خضوعه لهيمنة الدول الخمس دائمة العضوية صاحبة سلطة النقض (الفيتو)، وهو ما جعل العالم يقف متفرجا حيال الأزمة السورية عاجزا عن إيجاد سبل ناجعة لحلها، وكشف عجز المجلس وظيفيا.

في هذا الإطار، تعرض مراسلة الأناضول أبرز الخطوات التي اتخذتها الأمم المتحدة خلال الأزمة السورية، بالإضافة إلى الانتقادات التي وُجِّهت للمنظمة الدولية ومسودات القرارات التي طُرحت في مجلس الأمن.

بدأت الاحتجاجات السلمية في سوريا بتاريخ 15 مارس/آذار 2011 بمطالب للإصلاح ومناهضة القمع والفساد، لكن ومع لجوء قوات الأمن والجيش في سوريا إلى العنف والقمع تحولت الاحتجاجات إلى "نزاعات مسلحة" بدءًا من عام 2012.

ومنذ ذلك التاريخ، تعرضت الأمم المتحدة لسيل انتقادات على خلفية عدم اتخاذها مبادرات دبلوماسية فعالة خلال السنوات الأولى للحرب الأهلية في سوريا ولإخفاقها بتنظيم أي مبادرة دولية حاسمة بمرحلة كان من الممكن فيها منع نشوب الحرب، كما ظهر عجز مجلس الأمن عن تفعيل آلية سريعة وفعالة لحل الأزمة بسبب الخلافات بين أعضائه.

من جهة أخرى، استمرت كل من روسيا والصين باستخدام "الفيتو" ضد مشاريع قرارات تضمنت فرض عقوبات على النظام السوري أو القيام بتدخل عسكري من شأنه وقف الحرب، ما أدى بشكل كبير إلى تقييد قدرة الأمم المتحدة على إدارة الأزمة.

نتيجة لذلك، تحولت آلية الفيتو في حالات الأزمات الإنسانية إلى موضع تشكيك في كل من شرعية وهيكلية الأمم المتحدة.


في إطار البحث عن حلول سياسية للأزمة، عيّنت الأمم المتحدة العديد من المبعوثين الخاصين وأجرت مفاوضات وشاركت في وساطات متعددة.

وعام 2012 عمل كوفي عنان، المبعوث المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، على تقديم خطة سلام مكونة من 6 نقاط تهدف لإيجاد حل سلمي للأزمة، شملت دعوة لوقف إطلاق النار، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، وبدء حوار سياسي.

ورغم الزيارات التي أجراها عنان إلى سوريا في مارس 2012 وعقده اجتماعات مع الأطراف المعنية، إلا أن الخطة لم تبصر النور.

بعدها، تولى الأخضر الإبراهيمي مهمة المبعوث الخاص بين عامي 2012 و2014، حيث ركز على حل الأزمة عبر الحوار.

وخلال محادثات جنيف في عامي 2012 و2014، نُظّمت سلسلة لقاءات بين الحكومة السورية وجماعات المعارضة، بهدف وضع خطة انتقال سياسي ورسم خارطة طريق لمستقبل سوريا. ومع ذلك، لم يتم التوصل إلى اتفاق بين الأطراف حول تشكيل حكومة انتقالية وفق توصيات "إعلان جنيف".

بدوره، شغل ستيفان دي ميستورا منصب المبعوث الخاص بين عامي 2014 و2019، وأدار مفاوضات "جنيف 3"، بالإضافة إلى لقاءات مع أطراف النزاع بشكل فردي.

وعام 2016، بذل دي ميستورا جهودًا لوقف القتال، كما قاد اجتماعات تحت مسمى "مشاورات" للتواصل مع مختلف المجموعات السورية، وعام 2018، ساهم في تأسيس اللجنة الدستورية السورية.

ورغم الجهود المبذولة، لم تتمكن محادثات جنيف من تقديم حل دائم للصراع السوري، بل ظل تأثير الأمم المتحدة على العملية ضعيفًا، كما لم يتم تحقيق حوار جاد بين النظام والمعارضة.

علاوة على ذلك، شاركت الأمم المتحدة بدعم العملية السياسية بحضورها في مسار أستانا ومؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي، اللذين قادتهما روسيا وتركيا وإيران.

أما غير بيدرسون الذي يشغل منصب المبعوث الخاص منذ عام 2019، فساهم بتشكيل اللجنة الدستورية السورية وعقد اجتماعاتها، بهدف وضع دستور جديد ودعم الجهود لتعزيز الثقة بين الأطراف ودفع المفاوضات.


في 27 أبريل/ نيسان 2011 شهد مجلس الأمن أول اجتماع للأزمة السورية، وقدّمت لين باسكو، مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، إحاطة عن الوضع بسوريا، أشارت فيها إلى استخدام قوات الأمن القوة المفرطة ضد المتظاهرين، وطلبت السماح للأمم المتحدة بالتحقق من الاحتياجات الإنسانية في المناطق المتضررة.

وفي بيان صدر عن مجلس الأمن في 3 أغسطس/ آب 2011 عبّر الأعضاء عن قلقهم العميق إزاء الوضع بسوريا، ودعوا إلى إنهاء جميع أشكال العنف، مع التأكيد على ضرورة احترام السلطات السورية لحقوق الإنسان والقوانين الدولية.

وفي 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2011 قُدم مشروع قرار من قِبل فرنسا وألمانيا والبرتغال والمملكة المتحدة، لكنه قوبل باستخدام "الفيتو" من قبل الصين وروسيا.

وفي 4 فبراير/ شباط 2012 عُرِض مشروع قرار آخر يهدف لمعالجة الوضع، لكنه أُحبط مجددًا بالفيتو ذاته.

رغم ذلك، تمكن مجلس الأمن في 14 أبريل 2012 من اعتماد قرار بالإجماع ينص على إرسال فريق مراقبين إلى سوريا. وفي 21 من الشهر نفسه، أقر المجلس تأسيس بعثة مراقبة دولية للإشراف على تنفيذ خطة النقاط الست التي اقترحها عنان.

حتى 22 فبراير 2014 لم يعتمد مجلس الأمن أي قرارات جديدة بشأن سوريا، واكتفى بعقد جلسات إحاطة دورية. وفي ذلك التاريخ، نجح الأعضاء في تبنّي قرار يهدف إلى حماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية.

مع ذلك، ظل الانقسام سيد الموقف؛ ففي 22 مايو/ أيار 2014 عُرِض مشروع قرار يتعلق بالوضع الإنساني وجرائم الحرب ضد المدنيين لكنه قوبل مجددًا بفيتو روسي صيني. وعلى النقيض، اعتُمد قرار آخر في 14 يوليو/تموز 2014 بخصوص الوضع الإنساني والمساعدات.

وفي 6 مارس 2015، وافق المجلس على قرار يدين استخدام البراميل المتفجرة المحمّلة بالكلور (مواد كيميائية قاتلة) في سوريا.

وفي 18 ديسمبر/ كانون الأول 2015، تبنى المجلس جدولًا زمنيًا لبدء مفاوضات سياسية تحت رعاية أممية بحلول يناير/ كانون الثاني 2016، وإعلان وقف إطلاق النار، وتحقيق انتقال سياسي خلال عامين.

أما في 26 فبراير 2016، اعتُمد قرار يدعو إلى وقف الأعمال العدائية، وضمان إيصال المساعدات بشكل عاجل إلى المحتاجين.


رغم تصاعد هجمات النظام السوري وارتفاع أعداد الضحايا المدنيين، فشل مجلس الأمن باتخاذ قرارات حاسمة تضع حدًا للانتهاكات.

في 8 أكتوبر 2016، عارضت روسيا وفنزويلا مشروع قرار يدعو لوقف القتال في حلب، ومنع الطيران العسكري من التحليق فوق المدينة. وفي اليوم نفسه، قوبل مشروع قرار آخر بالرفض من معظم الأعضاء، وأيّدته فقط الصين ومصر وروسيا وفنزويلا.

وفي 17 نوفمبر 2016، اعتُمد قرار بتمديد ولاية بعثة المراقبة الدولية في سوريا. إلا أن محاولة اعتماد قرار لوقف جميع الهجمات في حلب لمدة 7 أيام في 6 ديسمبر 2016، باءت بالفشل نتيجة الفيتو الصيني الروسي.

ومع ذلك، تمكن مجلس الأمن في 19 ديسمبر 2016 من اعتماد قرار ينص على مراقبة عمليات الإجلاء في حلب تحت إشراف دولي، وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة للسكان المدنيين.


في 28 فبراير 2017 أسقطت بوليفيا والصين وروسيا مشروع قرار يدعو لفرض عقوبات على النظام السوري بسبب استخدامه للأسلحة الكيميائية.

وفي 12 أبريل 2017 أحبطت روسيا مشروع قرار يدين الهجوم الكيميائي بمدينة خان شيخون ويدعو إلى إجراء تحقيق حوله. انضمت بوليفيا إلى روسيا في التصويت بالرفض، بينما امتنعت الصين عن التصويت.

كما عرقلت روسيا في 24 أكتوبر 2017 مشروع قرار يقضي بتمديد ولاية البعثة الأممية التي تحقق في استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا. وانضمت بوليفيا إلى الرفض، بينما امتنعت كل من الصين وكازاخستان عن التصويت.

وفي 16 نوفمبر 2017 استخدمت روسيا الفيتو مجددا ضد مشروع قرار مشابه يهدف لتمديد مهمة التحقيق الأممية بشأن الأسلحة الكيميائية. في اليوم نفسه، قوبل مشروع قرار آخر قدمته الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا برفض روسي، وأيدته فقط الصين وبوليفيا وكازاخستان.

وفي 17 نوفمبر 2017 رفضت روسيا وبوليفيا مشروع قرار آخر قدمته اليابان لتمديد ولاية البعثة الأممية.

ورغم الاجتماعات المستمرة بمجلس الأمن خلال عام، تبنى في 13 ديسمبر 2018 قرارًا لتجديد آلية إيصال المساعدات الإنسانية إلى سوريا. وقتئذ امتنعت الصين وروسيا عن التصويت على القرار.


في 19 سبتمبر 2019، رفضت روسيا والصين مشروع قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار في إدلب بالإضافة إلى احترام القانون الإنساني الدولي.

كما استخدمت روسيا والصين في 20 ديسمبر 2019 الفيتو ضد تجديد القرار الذي يسمح بتقديم المساعدات عبر الحدود إلى سوريا، وهو القرار الذي أُقرّ لأول مرة عام 2014.

وفي 7 يوليو 2020 عارضت روسيا والصين تمديد آلية إيصال المساعدات إلى نحو 3 ملايين شخص في سوريا. ثم في 10 من الشهر نفسه، كررت الدولتان استخدام الفيتو ضد آلية إيصال المساعدات عبر تركيا.

وفي 8 يوليو 2022 استخدمت روسيا الفيتو لعرقلة تمديد آلية إيصال المساعدات الإنسانية إلى ملايين السوريين عبر معبر "جيلوة غوزو" الحدودي مع تركيا، بينما امتنعت الصين عن التصويت.

ورغم ذلك، تبنى مجلس الأمن في 12 يوليو 2022 قرارًا بتمديد إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين السوريين عبر تركيا لمدة 6 أشهر إضافية.

وفي 11 يوليو 2023 أحبطت روسيا مشروع قرار يدعو لتمديد آلية إيصال المساعدات عبر تركيا لمدة 9 أشهر، فيما امتنعت الصين عن التصويت. بدورها رفضت فرنسا وبريطانيا وواشنطن مشروع قرار بديل قدمته روسيا والصين.


بدون شك، أظهر الصراع السوري أوجه القصور بهيكلية الأمم المتحدة، بما في ذلك دور الفيتو بعرقلة معالجة الأزمات الإنسانية، فضلاً عن القصور بإدارة الأزمات، كما تعرضت الأمم المتحدة لانتقادات بسبب عدم اتخاذ موقف حازم تجاه استخدام الأسد أسلحة كيميائية.

في 21 أغسطس 2013، نفذ النظام هجومًا كيميائيًا بمنطقة الغوطة الشرقية بدمشق، ما أدى إلى مقتل أكثر من 1400 مدني، وفي 4 أبريل 2017 أودى هجوم كيميائي على مدينة خان شيخون بإدلب بحياة أكثر من 100 مدني وإصابة نحو 500.

كما تسبب هجوم كيميائي آخر في 7 أبريل 2018 في مقتل 78 مدنيًا بمدينة دوما في الغوطة الشرقية.

ورغم هذه الجرائم فشل مجلس الأمن باتخاذ قرارات ملموسة نتيجة استخدام الفيتو. وتجلّى هذا الإخفاق أثناء حصار مدن مثل حلب وحمص والغوطة الشرقية، حين عجزت الأمم المتحدة عن لعب دور فعال وإيجاد حلول للأزمة الإنسانية.

ورغم جهود الأمم المتحدة عبر وكالاتها مثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، لإيصال المساعدات لملايين السوريين، إلا أن هذه الجهود لم تكف.

يعود ذلك إلى عرقلتها من قبل الأطراف المتصارعة، خصوصًا نظام الأسد، الذي منع إيصال المساعدات الإنسانية، بينما قوبلت قرارات مجلس الأمن بفيتو روسي في أغلب الحالات.

كما افتقرت المساعدات إلى التنسيق السريع والفعال، ما أدى إلى أزمة إنسانية كبيرة، خصوصًا في المناطق المحاصرة، حيث واجه الملايين خطر الجوع والأوبئة.

إضافة إلى ذلك، فشلت الأمم المتحدة بمعالجة أزمة اللاجئين بشكل فعال، حيث تُركت الدول المجاورة مثل تركيا والأردن ولبنان تتحمل أعباء اللاجئين دون دعم كافٍ، فيما أظهرت الأزمة غياب التضامن الدولي وضعف حشد الجهود العالمية للتعامل مع المأساة.

وعلى الأرض، وقفت الأمم المتحدة عاجزة عن تقديم الدعم اللازم، وأعاقت البيروقراطية وصول المساعدات، فيما شهدت خدمات تسجيل اللاجئين وتوفير المأوى والتعليم نقصًا حادًا.

ورغم توثيق الأمم المتحدة لجرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان، إلا أنها فشلت بتطوير آلية دولية لمحاسبة المسؤولين عنها، فيما حال استخدام الفيتو دون إحالة القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية.


لم تتمكن الأمم المتحدة من فرض سيطرة على الجوانب العسكرية للصراع أو ممارسة ضغوط على المجتمع الدولي لتحقيق حل سياسي.

وكانت أبرز مظاهر الفشل عدم قدرة المجلس على تبني قرارات تتعلق بوقف إطلاق النار، وتحسين الأوضاع الإنسانية، ومعالجة انتهاكات القانون الدولي وحقوق الإنسان في سوريا.

ومنذ تأسيسه عام 1945، أظهر مجلس الأمن، بسبب بنيته المتمثلة في الأعضاء الدائمين وحق النقض، عجزًا في إدارة العديد من الأزمات العالمية.

وفي الحالة السورية أسفر استخدام واشنطن وموسكو وبكين وباريس ولندن الفيتو بشكل متكرر، عن تعقيد الأزمة وإطالتها، وتفاقمها بشكل يصعب معالجته.

#الأمم المتحدة
#سوريا
#تخاذل