- "مركز رشاد الشوا" الثقافي غرب مدينة غزة بات مأوى لعائلات نازحة بعدما كان رمزا للفن والثقافة - متحدث بلدية غزة حسني مهنا: القصف الإسرائيلي حول المركز إلى ركام وملجأ مؤقت لنازحين يحاولون الاحتماء بين أنقاضه - النازح الفلسطيني بالمركز خضر جنيد: هذا المكان لا يصلح حتى للدواب لكننا لم نجد أمامنا مأوى آخر يحفظ حياتنا - النازحة الفلسطينية بالمركز فاطمة السيد: لم يخطر ببالنا يوما أننا سنعيش في مبنى لا يحمل إلا ذكريات جدرانه المهدمة
بين أنقاض "مركز رشاد الشوا" الثقافي المدمر غرب مدينة غزة، يجلس الفلسطيني خضر جنيد محاطا بأطفاله السبعة حول نار أوقدها في علبة صفيح مهترئة، بعدما اضطر إلى اتخاذ هذا الصرح الثقافي الذي كان يوما رمزا للفن والثقافة مأوى لعائلته.
لم يتبق من المركز سوى جدران أسمنتية متناثرة وركام، فيما تحولت قاعات المسرح والمعارض التي كانت ذات يوم تعج بالزوار، إلى مأوى بائس لعائلة جنيد التي نزحت من شمال غزة هربا من القذائف والصواريخ الإسرائيلية.
يقول جنيد الذي فر مع عائلته من مخيم جباليا بعد قصف منزلهم وإجبارهم من الجيش الإسرائيلي على النزوح قسرا إلى مدينة غزة: "نزحنا للمرة العاشرة، وهذه المرة إلى أنقاض هذا المركز المدمر. لم نحمل معنا أغطية ولا ملابس، فقط أرواحنا".
اليوم، يفتقد "مركز رشاد الشوا" الثقافي نبض الفعاليات والأنشطة التي كانت تملأ أرجاءه، فيما يلف السكون الكئيب المكان.
ويضيف جنيد في حديث للأناضول: "حتى هنا، لم نسلم من البرد القارس. نلتف حول هذه النار لنشعر ببعض الدفء، ونحتمي بالجدران المتبقية من هذا المركز".
يبقى جنيد مستيقظا طوال الليل ليحافظ على النار مشتعلة؛ خوفا من أن يفتك البرد بأطفاله أو أن يحدث مكروه.
ويتابع بأسى: "هذا المكان لا يصلح حتى للدواب، لكننا لم نجد أمامنا مأوى آخر يحفظ حياتنا".
رغم معاناته، يأمل جنيد أن "تتوقف حرب الإبادة بغزة قريبا، وأن يقف العالم إلى جانب الفلسطينيين لإعادة إعمار ما دمرته إسرائيل في القطاع، وإغاثة السكان المنكوبين، وبناء هذا الصرح الثقافي من جديد".
** منارة ثقافية
"مركز رشاد الشوا" كان يُعرف بأنه "الصرح الثقافي الأول والفريد من نوعه في فلسطين، ومنارة ثقافية وحضن دافئ لكل المثقفين والفنانين الفلسطينيين في قطاع غزة"، كما وصفه متحدث بلدية غزة حسني مهنا.
ويقول مهنا لمراسل الأناضول: "اليوم، أصبح المركز صورة مشوهة لذكرياته الجميلة، فقد تعرض لدمار كبير نتيجة قصف الطائرات الحربية الإسرائيلية المباشر، ما حوله إلى ركام، وأصبح ملجأ مؤقتا للنازحين الذين يحاولون الاحتماء بين أنقاضه".
ويضيف: "قاعات المسرح التي كانت تضج بالتصفيق وصدى تمتمات الزوار والوافدين، باتت اليوم ركاما ومساحات مغلقة بأغطية من النايلون والقماش تحتمي بداخلها عائلات نازحة، بينما يفترش الأطفال والنساء أرضياته المدمرة".
وتأسس المركز عام 1988 على يد رئيس بلدية غزة آنذاك، الحاج رشاد الشوا، وأصبح منذ عام 1992 فضاء ثقافيا حيويا يحتضن المواهب الشبابية والفنية في القطاع.
كان المركز يتألف من ثلاثة طوابق تضم ثلاث قاعات متعددة الاستخدام، ومسرحا، ومكتبة ضخمة تُعرف باسم "مكتبة ديانا تماري صباغ"، تحوي أكثر من 100 ألف كتاب. كما كان يحتضن مقهى ثقافيا أُضيف حديثا ليكون ملتقى للمثقفين، بالإضافة إلى مطبعة تاريخية قديمة، ما جعل منه رمزا ثقافيا فريدا قبل أن يُحول القصف الإسرائيلي ملامحه إلى أنقاض.
** مكان لا يصلح للحيوانات
وفي زاوية أخرى، تجلس الفلسطينية فاطمة السيد على كرسيها المتحرك، وهي مسنة أنهكتها الحياة، وارتسمت على وجهها خطوط تجاعيد تحكي قصة صبرها ومعاناتها.
بصوت مرتجف، تروي فاطمة لمراسل الأناضول تفاصيل مريرة عن رحلتها أثناء النزوح وإقامتها في هذا المركز المدمر.
وتقول: "طلبت منا طائرات إسرائيلية مغادرة شمال قطاع غزة. خرجنا مسرعين وتركنا كل شيء وراءنا؛ ملابسنا، أغطيتنا، والفراش. كنا نركض لننجو بأرواحنا فقط. في تلك الليلة، اضطررنا للنوم في العراء وسط البرد القارس، بلا أغطية تقي أجسادنا أو تحفظ دفء أطفالنا".
وتتابع، وعيناها تتجولان في المكان الذي أصبح مأواها الجديد وسط الدمار: "لم يخطر ببالنا يوما أننا سنعيش هنا، في مبنى لا يحمل إلا ذكريات الجدران المهدمة. حتى الحيوانات لا يمكنها العيش في هذا المكان. لكننا فررنا من الموت ولم نجد بديلا".
وتختم فاطمة حديثها بأمل يائس: "أتمنى أن تنتهي هذه الحرب المدمرة قريبا، وأن ينقشع هذا الكابوس المرعب عن حياتنا".
"مركز رشاد الشوا" الذي كان يوما منارة للثقافة، يحتضن أمسيات شعرية ومعارض فنية، تحول الآن إلى مأوى لمآسي العائلات الفلسطينية التي تبحث عن بصيص أمل وسط الموت، وشاهد على جرائم إسرائيل التي لم تستثنِ الحجر ولا البشر، مستهدفة المعالم الثقافية والدينية في غزة.
وبدعم أمريكي ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إبادة جماعية في غزة خلفت نحو 151 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
وتواصل تل أبيب مجازرها متجاهلة مذكرتي اعتقال أصدرتهما المحكمة الجنائية الدولية، في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، بتهمتي ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين في غزة.
كما تتحدى إسرائيل قرار مجلس الأمن الدولي إنهاء الحرب فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.