أحبطت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، الأوروبيين بتصريحات لافتة الخميس، حول الحرب التجارية التي يرتقب أن يشنها الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب ضد القارة العجوز وشركاء تجاريين آخرين.
لاغارد خرجت في مقابلة مع صحيفة فايننشال تايمز، وحثت زعماء أوروبا على التعاون مع ترامب بدلاً من الرد بالمثل على تهديداته بفرض تعريفات جمركية شاملة.
بل دعت لاغارد أوروبا إلى "شراء مزيد من المنتجات الأمريكية" لتجنب حرب تجارية قد تتسبب في تراجع النمو الاقتصادي العالمي، في إشارة إلى تجنب الصدام مع الرئيس المنتخب.
يأتي ذلك بعد قرابة شهر من اجتماع لقادة الاتحاد الأوروبي، دعوا خلاله إلى الاعتماد على الذات وضخ مزيد من الاستثمارات في الصناعة، في محاولة لتحقيق اكتفاء ذاتي، حتى تكون أي حرب تجارية ذات تأثير محدود على التكتل.
وتعهد ترامب بفرض تعريفات جمركية شاملة بنسبة تصل 20 بالمئة على جميع الواردات غير الصينية إلى الولايات المتحدة، في وقت يبلغ حجم التبادل التجاري بين التكتل والولايات المتحدة أكثر من 1.3 تريليون دولار.
والثلاثاء، تراجعت أسهم شركات سيارات وأخرى زراعية في الاتحاد الأوروبي بنسب راوحت بين 1 إلى 8 بالمئة، عقب تصريحات ترامب التي أكد فيها أنه سيوقع على فرض تعريفات جمركية على شركاء بلاده التجاريين، بنسبة تصل إلى 20 بالمئة اعتبارا من 20 يناير/كانون ثاني المقبل (أول يوم لتوليه الإدارة).
وقالت لاغارد في مقابلتها، إنه من ضروري للاتحاد الأوروبي اعتماد "استراتيجية دفتر الشيكات" التي تتضمن تقديم عروض لشراء منتجات أمريكية، مثل الغاز الطبيعي المسال والمعدات الدفاعية، بدلاً من الدخول في مواجهات متبادلة تؤدي إلى تصعيد الخلافات التجارية.
وأوضحت أن هذه الاستراتيجية ستكون أكثر نفعًا من تبني سياسات انتقامية يمكن أن تؤدي إلى "حرب اقتصادية لا رابح فيها".
ويثير فوز ترامب بولاية ثانية مخاوف لدى حكومات الاتحاد الأوروبي من أن تؤدي سياساته إلى القضاء على الفائض التجاري الكبير للاتحاد مع الولايات المتحدة، وإجبار الشركات الأوروبية على نقل إنتاجها إلى الأراضي الأمريكية.
وبحسب بيانات مكتب الإحصاءات الأوروبية، بلغ الفائض التجاري للاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة حوالي 190 مليار دولار في عام 2023.
هذا الفائض يشير إلى أن قيمة صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة تتجاوز بشكل كبير قيمة وارداته منها؛ ويشمل هذا الفائض قطاعات رئيسية مثل السلع المصنعة، الأدوية، السيارات، والمنتجات الزراعية.
مع ذلك، فإن الفائض يعد من أبرز أسباب التوتر التجاري بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، حيث يرى ترامب أنه يعكس ممارسات غير عادلة أو اختلالات في العلاقة التجارية بين الجانبين.
كما تخشى بروكسل من أن تهدد السياسات الحمائية الأمريكية الاقتصادات الأوروبية بشكل مباشر، مما يؤدي إلى إضعاف تنافسية الشركات الأوروبية في الأسواق العالمية.
** خيارات أوروبا
وفي ظل هذا التحدي، تجد أوروبا نفسها أمام خيارين رئيسيين: إما الرد بالمثل من خلال فرض إجراءات عقابية على الولايات المتحدة، أو محاولة التفاوض للوصول إلى اتفاقات تجنبها الرسوم الجمركية الجديدة.
ودعت أصوات داخل أوروبا، مثل مركز "إيفو" للاقتصاد الدولي في ألمانيا، إلى اتخاذ خطوات مضادة، منها تعزيز التكامل في السوق الأوروبية للخدمات واعتماد تدابير ردع موثوقة ضد الولايات المتحدة.
وأحد السيناريوهات أمام الاتحاد الأوروبي، يتمثل في تقديم تنازلات للولايات المتحدة، عبر تقديم عروض لزيادة وارداته من المنتجات الأمريكية، مثل الغاز الطبيعي المسال وفول الصويا، مقابل إعفاء صادراته من الرسوم الجمركية.
هذه الاستراتيجية ليست جديدة؛ فقد تم التوصل إلى اتفاق مشابه بين ترامب ورئيس المفوضية الأوروبية السابق جان كلود يونكر عام 2018.
أما السيناريو الثاني، فهو التوصل إلى اتفاق جيوسياسي أوسع، يتضمن زيادة شراء المعدات الدفاعية الأمريكية لدعم أوكرانيا؛ لكن تمويل الاتفاق سيواجه تحديات كبيرة داخل الاتحاد، خاصة مع رفض دول مثل ألمانيا لفكرة الاقتراض المشترك.
سيناريو ثالث، يتمثل في تعاون أوروبي أمريكي ضد الصين، من خلال فرض قيود إضافية على واردات السيارات الكهربائية والتكنولوجيا الصينية، وتشديد الرقابة على الاستثمارات الأجنبية القادمة من الصين.
إلا أن هذا الخيار يحمل مخاطر سياسية واقتصادية كبيرة لأوروبا، خاصة مع اعتماد ألمانيا على علاقاتها التجارية مع الصين.
ورفضت ألمانيا علانية، قبل شهرين، إعلان المفوضية الأوروبية بإجماع الأغلبية قرار فرض تعريفات جمركية تصل إلى 45 بالمئة على السيارات الكهربائية الصينية، بسبب مصالح شركات السيارات الألمانية في الصين.
لكن ورغم وجود خيارات للتعامل مع الأزمة، فإن الشكوك تراود قادة أوروبا حول قدرة التكتل على التحرك بشكل موحد لمواجهة سياسات ترامب.
وبينما كان هناك تحالف قوي بين فرنسا وألمانيا بقيادة إيمانويل ماكرون وأنجيلا ميركل؛ لكن باريس اليوم تواجه تحديات داخلية، فيما تعاني الحكومة الألمانية من عدم استقرار سياسي.