الرأسمالية تبنى على العقل لكنها تقوم على الإدراك

11:5010/05/2024, Cuma
يوسف قابلان

لقد أسلفت سابقا: إننا نخسر أثناء تحقيقنا المكاسب. إننا نحقق المكاسب المادية، لكننا لا نكتفي بذلك بل نمجد هذا الربح ونقدسه. في الواقع، إن التركيز على المكاسب المادية وتقديسها يمثل زرع بذور الخسارة المعنوية، ووضع ديناميت لتفجيرها. لطالما قلت: "إن من يجعل الدنيا دارا ويوطن نفسه فيها، يضيق الدنيا على الإنسانية." فكما يقول ابن خلدون: "الهالكون في المجاعات إنما قتلهم الشبع المعتاد السابق لا الجوع الحادث اللاحق" السياسة تعنى بالاهتمام بالحاضر، بينما تعنى الحقيقة ببناء المستقبل. تركز السياسة على اللحظة،

لقد أسلفت سابقا: إننا نخسر أثناء تحقيقنا المكاسب. إننا نحقق المكاسب المادية، لكننا لا نكتفي بذلك بل نمجد هذا الربح ونقدسه.

في الواقع، إن التركيز على المكاسب المادية وتقديسها يمثل زرع بذور الخسارة المعنوية، ووضع ديناميت لتفجيرها.

لطالما قلت: "إن من يجعل الدنيا دارا ويوطن نفسه فيها، يضيق الدنيا على الإنسانية." فكما يقول ابن خلدون: "الهالكون في المجاعات إنما قتلهم الشبع المعتاد السابق لا الجوع الحادث اللاحق"

السياسة تعنى بالاهتمام بالحاضر، بينما تعنى الحقيقة ببناء المستقبل.

تركز السياسة على اللحظة، بينما تركز الحقيقة على الزمن. الزمن بكل أبعاده، بما يشمل الماضي والحاضر والمستقبل، في آن واحد. تمتد الحقيقة إلى جميع الأزمنة، وتتردد أصداؤها عبرها، وتجد فيها صدى لها.


إن تركيزنا على السياسة وجعلها مركزا لكل شيء، يؤدي إلى حبس الإنسان في اللحظة الراهنة، ويحوله إلى عبد لأدواتها. يؤدي التركيز على السياسة إلى حصر اهتمام الإنسان في زمن واحد، مما يسبب له فقدان الإحساس بالزمن، وبالتالي فقدان الإحساس بالمكان.


تدور السياسة حول العالم، أي حول هذا المكان، حول الحاضر، حول ما هو عابر وزائل. أما الحقيقة تتخطى حدود المكان والزمان وتصل إلى الأبدية، فهي تنير كل العصور وتضيء كل الأماكن وتلقي بضوئها على كل شيء.


تلغي السياسة الإحساس بالزمن، وتزرع قنابل في أساس فكرة الحقيقة، تقضي على كل من السياسة والحقيقة.

السياسة والاقتصاد توأمان. وكلاهما مدين بوجوده للآخر.

السياسة استراتيجية لتوزيع المصالح. والاقتصاد هو مصدر هذه الاستراتيجية. ومن امتزاج السياسة والاقتصاد تولد الرأسمالية.


لا تعترف الرأسمالية بأي قاعدة، بل تعتقد أنها هي القاعدة. والرأسمالية عدو للحقيقة. لا يمكن للحقيقة أن تتواجد في مكان تكون فيه الرأسمالية هي القاعدة والقانون، حيث تبدأ عجلة الاستغلال في الدوران بسرعة وتسحق جميع في طريقها.

الرأسمالية عدوة للإنسانية. ففي المكان الذي تسود فيه الرأسمالية، يصبح الإنسان عبدا، في المكان الذي تحكم فيه الرأسمالية، يصبح الإنسان سجينا. ولا يمكن للرأسمالية أن تنقذ الإنسان، بل على العكس تجعله بحاجة إلى الإنقاذ، حيث تنتج تكنولوجيا الرغبة والذوات التكنولوجية.


ما يبقي الرأسمالية قائمة هو مدى جاذبية وإغراء تكنولوجيا الرغبة التي تنتجها. فالرأسمالية لا تملك عقلا، بل مشاعر. تستغل الرأسمالية المشاعر للبقاء على قيد الحياة، وتمحو كل ما يعترض طريقها.


كما قلت سابقا الرأسمالية لا تملك عقلا، بل مشاعر. وهنا مفارقة عظيمة، فالرأسمالية رغم تأسيسها على مبادئ عقلانية، إلا أنها تعمل بطريقة غير عقلانية. توظف الرأسمالية العقل بشكل فعال كأداة، بل وحتى كسلاح، ، لبناء وتنظيم الإدراك بأقوى الطرق وأكثرها جاذبية وإغراء.


إن مصدر إمبراطورية الرأسمالية التي تسيطر على العالم والبشر عبر الإدراك هو العقل، واستخدام العقل بأقصى قدر ممكن كقوة منظمة. ومن خلال الرأسمالية، يقوم العقل بتجميد الإدراك.

تبنى الرأسمالية على العقل، لكنها تتواجد من خلال الإدراك، وتعتمد سيطرتها على قدرة العقل على استخدام الإدراك.

كلما قدس الإنسان العالم، كلما أفسده العالم وأفسد معه كل شيء. لا ينبغي أن يكون هدفنا تقديس العالم، بل جعله مكانا صالحا للحياة.


لا تهتم الرأسمالية بجعل العالم مكانا صالحا للعيش، بل تسعى إلى احتلاله. علينا أن نتنفس بعمق لنبني وننقذ المستقبل. لذلك يجب أن نركز على تنشئة جيل رائد يساهم في بناء المستقبل، بدلا من التركيز على الكتلة العامة.


#الرأسمالية
#العقل
#الإدراك
#المكاسب المادية
#الربح
#الخسارة